تداعيات سياسية وحقوقية.. تجميد الجمعيات النسوية يثير الجدل في تونس

تداعيات سياسية وحقوقية.. تجميد الجمعيات النسوية يثير الجدل في تونس
رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي

شهدت تونس، خلال الأيام الماضية، تصاعدًا في الجدل حول قرار تجميد عدد من الجمعيات الحقوقية والاجتماعية، في مقدمتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إحدى أقدم المنظمات النسوية في البلاد.

جاء القرار الذي أعقبه تجميد جمعيات أخرى مثل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وسط مخاوف متزايدة من تضييق المساحة المدنية، وإعادة النظر في دور منظمات المجتمع المدني التي لطالما شكلت أحد أعمدة التجربة الديمقراطية التونسية بعد عام 2011، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، الخميس.

عبّرت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي عن قلقها إزاء القرار، مؤكدة أن العمل الجمعياتي النسوي يمثل ركيزة أساسية في الدفاع عن حقوق النساء.

وقالت الجربي: "منذ أيام سمعنا بخبر تجميد جمعية النساء الديمقراطيات، وهي من أوائل الجمعيات التي ناضلت منذ الثمانينات من أجل المساواة ورفع الظلم عن النساء". 

وأضافت أن النساء في تونس وفي كل البلدان العربية يواجهن تحديات مستمرة، وأن إضعاف الجمعيات التي تعمل على دعمهن هو "مس مباشر بحقوق النساء".

الجمعيات النسوية مكسب وطني

أوضحت الجربي، التي تشغل أيضاً منصب نائبة رئيسة المجلس الدولي للنساء، أن أي منظمة تُعنى بالدفاع عن المرأة تمثل مكسبًا وطنيًا يجب الحفاظ عليه، مشيرة إلى أن جمعية النساء الديمقراطيات كانت نخبوية في بدايتها، لكنها توسعت لاحقًا لتشمل قضايا النساء في المناطق الريفية والشرائح الفقيرة.

انتقدت الجربي أيضًا المرسوم رقم 88 لسنة 2011 المنظم لعمل الجمعيات، معتبرة أنه رغم كونه مكسبًا ديمقراطيًا، فإنه فتح الباب أمام فوضى تنظيمية وتمويلات أجنبية مشبوهة.

وأشارت إلى أن المرسوم سهّل عملية تأسيس الجمعيات دون رقابة كافية، ما أدى إلى تضاعف أعدادها وتورط بعضها في أنشطة متطرفة أو تمويل خارجي غير مراقب. 

وأضافت أن السلطات أصبحت بعد 25 يوليو 2021 أكثر تشددًا في مراقبة التمويلات، وأن أي جمعية لا تصرّح بمصادر تمويلها تُواجه خطر التجميد ثم الحلّ إذا لم تُسوِّ وضعيتها.

ضربة موجعة للنساء

ورأت الجربي أن تجميد جمعية النساء الديمقراطيات في هذا التوقيت "ضربة موجعة" للنساء، خصوصًا مع اقتراب الحملة الأممية لمناهضة العنف ضد المرأة التي تنطلق في نوفمبر من كل عام، مؤكدة أن الجمعية لعبت دورًا محوريًا في صياغة القانون عدد 58 المتعلق بحماية النساء من العنف.

أبدت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة قلقها على مصير آلاف النساء المستفيدات من خدمات الجمعية المجمدة، لا سيما اللاتي يعتمدن على مراكز الإيواء والتوجيه التابعة لها.

وطالبت السلطات بمنح الجمعية فرصة لتصحيح أوضاعها القانونية بدلًا من إيقاف نشاطها نهائيًا، محذّرة من أن "تعليق عمل الجمعيات النسوية سيؤدي إلى انتكاسة في مسار حقوق المرأة في تونس".

ضعف الحماية القانونية

كما عبّرت عن أسفها لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت بالكثير من النساء إلى البطالة والاستغلال، مشيرة إلى أن وزارة المرأة نفسها اعتبرت بعض حالات التشغيل نوعًا من "الرقّ الحديث"، في ظل ضعف الحماية القانونية وارتفاع نسب الطلاق والعنف الأسري.

وجهت الجربي انتقادات حادة للحكومة بسبب حرمان الاتحاد الوطني للمرأة من منحة الدولة السنوية منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وقالت إن الاتحاد، رغم إدراج منحه في الرائد الرسمي، لم يتلق أي تمويل، ما اضطره إلى تقليص عدد العاملين إلى الربع. واعتبرت أن هذا الحرمان يعكس تراجع الدولة عن دعم المنظمات الوطنية التاريخية التي ساهمت في بناء تونس الحديثة ومقاومة الاستعمار.

معالجة قضايا النساء

تساءلت الجربي عن غياب الدور الفعّال لوزارة المرأة، مؤكدة أن الوزارة وحدها غير قادرة على معالجة قضايا النساء المعقدة في ظل غياب التنسيق مع المنظمات المتخصصة.

وأضافت: "من غير المنطقي أن تتحمل الوزارة وحدها عبء التعامل مع النساء العاملات والفلاحات والأطفال، بينما يتم تهميش المنظمات التي كانت سندًا للمجتمع المدني".

ويرى مراقبون أن أزمة الجمعيات النسوية في تونس تعكس صراعًا أعمق بين الدولة والمجتمع المدني حول حدود الحرية والرقابة، في مرحلة تتزايد فيها التحديات الاقتصادية والسياسية.

فمنذ عام 2011، لعبت منظمات مثل "النساء الديمقراطيات" و"المنتدى الاجتماعي" دورًا محوريًا في الدفاع عن الحريات، لكن الوضع تغيّر تدريجيًا بعد 25 يوليو 2021، حين بدأت السلطات تتخذ إجراءات مشددة تجاه الجمعيات بحجة مكافحة الفساد المالي والتمويل الخارجي غير المشروع.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية